تحليل سياساتي لاستراتيجية الأمم المتحدة البنيوية
أيمن قاسم الرفاعي
الدوحة – 14/09/2014م
المقدمة:
(هيئة الأمم المتحدة)؛ “هي منظمة دولية أسسها، عقب الحرب العالمية الثانية في عام 1945، 51 بلدا رغبة في صون السلم والأمن الدوليين، وتنمية العلاقات الودية بين الأمم وتعزيز التقدم الاجتماعي، وتحسين مستويات المعيشة وحقوق الإنسان. وتستطيع المنظمة، نظراً لطابعها الدولي الفريد والصلاحيات الممنوحة في ميثاق تأسيسها، أن تتخذ إجراءات بشأن نطاق واسع من القضايا، كما أنها توفر منتدى للدول الـ193 الأعضاء فيها لتعبير فيه عن آرائها من خلال الجمعية العامة ومجلس الأمن والمجلس الاقتصادي والاجتماعي وغيرها من الأجهزة واللجان”.
هذا ما تعرّف به المنظمة الدولية (الأممية) نفسها، لكن المطلع على أحوال وشؤون هذه المنظمة يرى أنها تشكلت بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية عام 1945م وخروج دول الحلفاء منها منتصرين، حيث تم إلغاء الشكل الأول لهذه المنظمة الأممية والمسماة (عصبة الأمم) والتي كانت قد تشكلت أـيضا عقب انتهاء الحرب العالمية الأولى عام 1919م وخروج الدول الاستعمارية (الاستعمار القديم) منها منتصرة. وبذلك تكون تجربتي المنظمة الأممية أتت تتويج لنهاية أسوء حربين في تاريخ الإنسانية، وفي كل مرة تكون الغايات المعلنة عن تشكيل هذه الهيئات هي حفظ السلم والأمن العالميين، في حين يجد المتبصر في الأمر أن حقيقة وجود مثل هذه الهيئات ما هو إلا مكافأة للمنتصر وتنصيبه على كرسي زعامة العالم، لينال بزعامة دعوى السلم والأمن ما لم ينله بالحرب، ولربما كان الأمر على استحياء في المرة الأولى لكن في الشكل الثاني لهذه المنظمة (هيئة الأمم المتحدة) كانت بصورة مباشرة من خلال فرض (مجلس الأمن) كجهاز أساسي يتحكم في السياسة العالمية من خلال مفتاح الأمن الذي جُعل في أيدي الأعضاء الخمسة دائمي العضوية أصحاب حق النقض (الفيتو)، وهذا ما نتلمسه بشكا أكثر جلاء من خلال تحليل واقع وأهداف وسياسات واستراتيجيات هذه المنظمة.
- الرؤية
“نحن شعوب الأمم المتحدة وقد آلينا على أنفسنا:
- أ- أن ننقذ الأجيال المقبلة من ويلات الحرب التي في خلال جيل واحد جلبت على الإنسانية مرتين أحزاناً يعجز عنها الوصف،
- ب- وأن نؤكد من جديد إيماننا بالحقوق الأساسية للإنسان وبكرامة الفرد وقدره وبما للرجال والنساء والأمم كبيرها وصغيرها من حقوق متساوية،
- ت- وأن نبيّن الأحوال التي يمكن في ظلها تحقيق العدالة واحترام الالتزامات الناشئة عن المعاهدات وغيرها من مصادر القانون الدولي،
- ث- وأن ندفع بالرقي الاجتماعي قدماً، وأن نرفع مستوى الحياة في جو من الحرية”
تعبر المنظمة الدولية عن رؤيتها من خلال النقاط الأربعة السابقة، والتي يمكن اختصارها في فكرة واحدة يعبر عنها بـ (السعي لضمان الحقوق الإنسانية لحياة كريمة للبشرية جمعاء من خلال إشاعة السلام وإحقاق الحقوق وحفظ الكرامة والحرية لجميع البشر ورعاية العلاقات الدولية بين المجتمعات المختلفة)، وهي رؤية إنسانية شاملة تتناسب والرغبة الإنسانية الحضارية التي تسعى المنظمة لتجسيدها، حيث يمكن أن تشمل مثل هذه الرؤية الكثير من الأهداف التي يمكن أن تبنى عليها مهمات عمل المنظمة في سبيل تفعيل دورها في المجتمع الدولي ضمن نطاق الرؤية الشاملة التي تسير بها والتي تستند إلى قيم إنسانية عليا عبرت عنها كافة الشرائع السماوية والمعتقدات الإيمانية سواء الروحية منها أم الإيديولوجية التي عرفتها المجموعات البشرية عبر تاريخها الحضاري الطويل وذلك كل بحسب مرجعيته، وهو ما تتفاوت به هذه المجموعات من حيث نظرتها لهذه القيم ومعانيها وحدودها وآليات الوصول إليها، وهنا تبدأ مشكلة هذه الرؤية التي تتبناها المنظمة بالظهور من خلال المنظور الذي تعتمده المنظمة لتفسير هذه القيم والأسلوب الذي ستنتهجه لبلوغها.
فعلى سبيل المثال، ما تدعوه المنظمة (الرقي الاجتماعي) يختلف من مجتمع لآخر حتى درجة التضاد في بعض الأحيان، وذلك بحسب مفاهيم المجتمعات ومرجعياتها القيمية المتباينة، وكذلك وبنفس السياق لمفاهيم كل من (المساواة والعدالة والحرية والكرامة) فليس بالضرورة أن تجتمع البشرية كلها على ذات التفاسير والمدلولات لهذه المفاهيم، لذلك كان على المنظمة من وجهة نظر استراتيجية السعي للبقاء بنطاق تنظيم العلاقات بين المجتمعات والدول أكثر من وضع رؤى تسعى من خلالها للتدخل في البنية القيمية والحضارية للمجتمعات الإنسانية وكينونتها، فإن كان من جمال للتاريخ الحضاري الإنساني فهو تلك التباينات الحضارية والاختلافات الشكلية للقيم والمثل التي تتبناها كل حضارة، وما سعي الأمم المتحدة للدخول في صلب هذا التنوع القيمي والحضاري إلا خطأ استراتيجي ناشئ عن سعي هذه المنظمة لتوحيد ما لا يوحد طمعاً في الهيمنة من أصحاب النفوذ في المنظمة على العالم ككل، ولو اقتصرت رؤية المنظمة على ما يعرف بالعلاقات الدولية لكان خير لها وأجدى في التحقق والقبول من المجتمع الدولي دون استثناء.
- المهمة:
“وفي سبيل هذه الغايات اعتزمنا
- أن نأخذ أنفسنا بالتسامح، وأن نعيش معاً في سلام وحسن جوار ،
- وأن نضم قوانا كي نحتفظ بالسلم والأمن الدولي،
- وأن نكفل بقبولنا مبادئ معيّنة ورسم الخطط اللازمة لها ألاّ تستخدم القوة المسلحة في غير المصلحة المشتركة ،
- وأن نستخدم الأداة الدولية في ترقية الشؤون الاقتصادية والاجتماعية للشعوب جميعها
وقد قررنا ان نوحد جهودنا لتحقيق هذه الأغراض”
تشكل عملية تحقيق السلام وحفظ الأمن والترقية الاقتصادية والاجتماعية لأعضاء منظومة المجتمع الدولي المهمة التي تحملها المنظمة على عاتقها وتسعى للاضطلاع بمسؤولياتها من خلال التزام وسائل موصلة تسهل الطريق أمام إنجاز هذه المهام، حيث تشكل المهام الثلاث الأولى صلب عمل المنظمة الدولية والتي تعنى بجانب صيانة العلاقات الدولية من خلال اشاعة السلام وحفظ الأمن والسعي لحل المشاكل والصراعات الدولية بالطرق السياسية السلمية وعدم اللجوء للقوة المسلحة إلا فيما تتوقف عليه المصلحة المشتركة لمجتمع الدولي ككل، ومن ثم تأتي مهام الترقية الاقتصادية والاجتماعية من خلال الأدوار التي تلعبها تلك المؤسسات الدولية التابعة للمنظمة والتي من أهمها ما يعنى بشؤون الزراعة والغذاء (FAO) والصحة (UNISEF) والتعليم (UNESCO) والمساعدات الإنسانية (UNRWA) وغيرها من المؤسسات الأممية أو حتى الدولية الأخرى التي تتعاون مع المنظمة الدولية كالبنك الدولي ومنظمة التجارة العالمية والصليب الأحمر والهلال الأحمر و وغيرها.
وتتسم هذه المهام التي تتبناها المنظمة بالموضوعية والواقعية بشكل أكبر مقارنة بالرؤية التي تضعها لنفسها وذلك من حيث إمكانية التحقق والقياس وعدم تطرقها إلى خصوصية المجتمعات بل بالعمل على توحيد الجهود والتركيز على ذلك لإنجاز هذه المهام وبخاصة من خلال الأدوات التي ترى المنظمة أنها الوسيلة الأجدى في تحقيق هذه المهام، حيث اتخذت من قيمة التسامح الطريق لتحقيق السلام وهو ما يمكن حدوثه من خلال العمل السياسي الجاد والحيادي، ومن فكرة توحيد القوة السبيل لفرض الأمن والحفظ على السلم ضد الأخطار التي يمكن أن تحيق بأي من أعضاء المنظمة، وكذلك اتخذت من مصطلح (مبادئ معينة وخطط لازمة) الضمان لعدم استخدام القوة إلا في المصالح المشتركة، ثم جعلت المنظمة من نفسها أداة بحد ذاتها لتحقيق الرقي الاجتماعي والاقتصادي.
نظرياً مهام موضوعية وأدوات واقعية هو ما يمكن أن نطلقه على المنظمة الدولية، ولكن على مستوى إنجاز هذه المهام وبخاصة من خلال التجربة التاريخية لها، ما الذي يمكن ان نقول، الحقيقة إن الدور الذي لعبته الأمم المتحدة منذ تأسيسها من خلال المهام التي أشرفت على إنجازها واضطلعت بها، لا يمكن له بحال من الأحوال أن يوصف سواء بالحيادية أو حتى المهنية السياسية في بعض الأحيان، ولعل أهم أسباب هذا الإخفاق في تنفيذ هذه المهام في الكثير من الحالات التي تصدت لها المنظمة، هو البنية التنظيمية التي تستند إليها المنظمة الأممية نفسها وبخاصة تلك التي تتعلق بمجلس الأمن القائم تشكيله على التبعية للدول المسماة بالعظمى والتي تتعارض مصالحها مع أي شكل من أشكال الحيادية والمساواة والعدالة التي يمكن أن تتبناها الأمم المتحدة وتعارض بحال من الأحوال إحدى مصالحها أو ارتباطاتها، وبذلك تكون هذه المنظمة قد قيدت نفسها بقيدين في آن واحد، بنيتها التنظيمية التابعة لجهات دولية بعينها، ومهامها التي تصدت بها لمسؤولية خدمة الشعوب المختلفة بحيادية وعدالة ومساواة، فبرغم واقعية الأهداف وقابليتها للإنجاز والقياس إلا أن الإخفاق الذريع الذي منيت به ىالأمم المتحدة والذي يضيق المقام على ذكر شواهده، يؤكد أنه لا يكفي للأهداف أن تكون واقعية وقابلة للإنجاز والقياس حتى تتحقق ويمكن تلمسها، بل أيضاً يجب أن تكون جزء حقيقي طبيعي أصيل في بنية وهيكل عمل أي مؤسسة وليس وهمي أو صوري يسوق له على حساب مآرب أخرى يسعى او تسعى لها بعض الجهات التي تنضوي تحت اسم المؤسسة سواء في عملها الداخلي أو حتى ذاك الموجه للغير.
- الشعار:
“نحن الشعوب أمم متحدة أقوى من أجل عالم أفضل”
تسعى المنظمة الأممية من خلال هذا الشعار إلى تنصيب نفسها على كرسي الزعامة المطلقة للعالم، حيث تتحدث باسم شعوب الأرض قاطبة حين تقول “نحن الشعوب” وهي صيغة وإن بدا في ظاهرها المساواة إلا ان السمة الأبرز هي إدعاء حق الحديث باسم هذه الشعوب التي لم يفوضها حقيقة أحد للحديث باسمها وإنما فرضت باعتبارات القوة والمصلحة، ثم تؤكد ذلك من خلال إطلاق اسمها “أمم متحدة” كصفة ضرورة لهذه الشعوب وكأن وحدة هذه الشعوب أمر حتمي حتى تعيش في عالم أفضل، ولم تنسى المنظمة الأممية إدراج أهم مصطلحاتها وسماتها والتي تعبر بحق عن حقيقة وجودها ألا وهي “أقوى” القوة؛ وليس فقط القوة بل صيغة منتهى التفضيل “الأقوى”؛ وهي السمة التي تحاول الأمم المتحدة وفق منظورها فرض رؤيتها على العالم بأسره، واما خاتمة الشعار ” من أجل عالم أفضل” هو فهو هدف مفتوح الأفق غير محدد السمة أو السقف يترك المجال لخيال الشعوب للطموح نحو الأفضل الذي تراه لذاتها ومجتمعاتها.
من خلال هذه القراءة لشعار المنظمة الأممية ورغم الاصطناع والتجني الكبير فيه على إرادة الشعوب، إلا أن شمول هذا الشعار لكافة مرتكزات هذه المنظمة من رؤية وأهداف ومهام، بالإضافة إلى الصيغة العامة المفتوحة التي يخاطب بها الشعار قارئيه ليجعلهم جزء من هذا الكيان سواء بمرتكزاته ام بتطلعاته، هو باختصار ذكاء وبعد نظر.
- الأهداف الاستراتيجية:
“مقاصـد الأمـم المتحدة هي:
- حفظ السلم والأمن الدولي، وتحقيقاً لهذه الغاية تتخذ الهيئة التدابير المشتركة الفعّالة لمنع الأسباب التي تهدد السلم ولإزالتها، وتقمع أعمال العدوان وغيرها من وجوه الإخلال بالسلم، وتتذرّع بالوسائل السلمية، وفقاً لمبادئ العدل والقانون الدولي، لحل المنازعات الدولية التي قد تؤدي إلى الإخلال بالسلم أو لتسويتها.
- إنماء العلاقات الودية بين الأمم على أساس احترام المبدأ الذي يقضي بالتسوية في الحقوق بين الشعوب وبأن يكون لكل منها تقرير مصيرها، وكذلك اتخاذ التدابير الأخرى الملائمة لتعزيز السلم العام.
- تحقيق التعاون الدولي على حل المسائل الدولية ذات الصبغة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والإنسانية وعلى تعزيز احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية للناس جميعاً والتشجيع على ذلك إطلاقاً بلا تمييز بسبب الجنس أو اللغة أو الدين ولا تفريق بين الرجال والنساء.
- جعل هذه الهيئة مرجعاً لتنسيق أعمال الأمم وتوجيهها نحو إدراك هذه الغايات المشتركة.”
تمثل الأهداف الاستراتيجية للأمم المتحدة الجزء الحقيقي منها، وبشكل أكثر شمول وأبعد تأثير من المهام التي ألقتها على كاهلها وكان لها صفة الواقعية، فقد أتت هذه الأهداف مركزة بشكل أكبر في جوهرها على موضوع السلم والأمن وحفظ العلاقات الدولية في أرقى صورها من التعاول والحرية وكفالة حقوق الإنسان لما فيه مصلحة الأعضاء، ومستخدمة تعابير أكثر مراوغة وأوسع معاني مما يجعلها أهداف شاملة لا يمكن قياسها أو وضع الحدود المقيدة لدور المنظمة، وذلك تكريس للرغبة الجامحة للمنظمة الأممية بترك الباب مفتوح لأي تفسير مستقبلي يخدم مصالحها يمكن أن تستوعبه هذه الأهداف وتخلق له المناخ الملائم للعمل السياسي والتحرك الدبلوماسي.
بالإضافة إلى الأهداف المرسومة تصرح المنظمة الأممية بمنهجية العمل التي ستستند إليها في بلوغ وتحقيق هذه الأهداف مؤكدة على أهمية القيم الإنسانية العليا في تشكيل هذه المنهجية وتكوين الإطار المعرفي والأخلاقي الذي يرسم خطى السير نحو الأهداف المعلنة، وهو أسلوب قانوني أدبي يجعل من نص الأهداف هذا سلعة تسويقية كبيرة للمنظمة ولدروها في المجتمع الإنساني ككل من جهة ومرونة نصية قادرة على البناء عليها بما يتسع له النص المحدود إلى اللاحدود، حتى وإن جاءت الأفعال بما لم تأتي على ذكره الأقوال.
- القيم:
“تعمل الهيئة وأعضاؤها في سعيها وراء المقاصد المذكورة في المادة الأولى وفقاً للمبادئ الآتية:
- تقوم الهيئة على مبدأ المساواة في السيادة بين جميع أعضائها.
- لكي يكفل أعضاء الهيئة لأنفسهم جميعاً الحقوق والمزايا المترتبة على صفة العضوية يقومون في حسن نية بالالتزامات التي أخذوها على أنفسهم بهذا الميثاق.
- يفض جميع أعضاء الهيئة منازعاتهم الدولية بالوسائل السلمية على وجه لا يجعل السلم والأمن والعدل الدولي عرضة للخطر.
- يمتنع أعضاء الهيئة جميعاً في علاقاتهم الدولية عن التهديد باستعمال القوة أو استخدامها ضد سلامة الأراضي أو الاستقلال السياسي لأية دولة أو على أي وجه آخر لا يتفق ومقاصد “الأمم المتحدة”..
- يقدّم جميع الأعضاء كل ما في وسعهم من عون إلى “الأمم المتحدة” في أي عمل تتخذه وفق هذا الميثاق، كما يمتنعون عن مساعدة أية دولة تتخذ الأمم المتحدة إزاءها عملاً من أعمال المنع أو القمع.
- تعمل الهيئة على أن تسير الدول غير الأعضاء فيها على هذه المبادئ بقدر ما تقتضيه ضرورة حفظ السلم والأمن الدولي.
- ليس في هذا الميثاق ما يسوغ ”للأمم المتحدة“ أن تتدخل في الشؤون التي تكون من صميم السلطان الداخلي لدولة ما، وليس فيه ما يقتضي الأعضاء أن يعرضوا مثل هذه المسائل لأن تحل بحكم هذا الميثاق، على أن هذا المبدأ لا يخلّ بتطبيق تدابير القمع الواردة في الفصل السابع.”
تشكل هذه المبادئ منظومة القيم التي تدعي المنظمة الدولية أنها تستند إليها في تنفيذ مهامها وتحقيق أهدافها سواء المرحلية أم العظمى، لكن باستعراض بسيط لهذه المبادئ نجد أن بعض هذه المبادئ نظرية بحتة أكثر منها فاعلة على أرض الواقع، ويتجلى ذلك بشكل واضح في المبدأ الأول الذي يتحدث عن المساواة في السيادة بين أعضاء المنظمة، في حين أن مجلس الأمن والذي يعتبر السلطة الأبرز في المنظمة الأممية يقوم على مبدأ التمييز بين الدول دائمة العضوية والمؤقتة، فخمس دول فقط من أصل 193 دولة لها الحق في كرسي العضوية الدائم في حين تتداول الدول العشر الباقية المقاعد الأخرى كل سنتين، ولا فضل للدول دائمة العضوية سوى أنها تمثل محور الحلفاء الذي انتصر في الحرب العالمية الثانية دون أدنى اعتبار لتغير العالم وأقطابه والفاعلين الحقيقيين فيه.
ولا يقتصر الخلل البنيوي في مبادئ وقيم هذه المنظمة على المساواة فحسب وإنما يتخطاها إلى الجور الفاضح فيما يسمى “حق النقض الفيتو” الذي يمنح الحصانة المطلقة للدول دائمة العضوية ضد أي قرار يمكن أن يتخذ ضدها أو حتى ضد مصالحا المرتبطة بأي كيان او دولة أخرى، وبذلك تكون قيمة العدالة هي الأخرى من القيم الغائبة، وهو ما يلمسه المتتبع لسياسة هذه المنظمة تجاه القضايا الدولية التي تتمتاز بسياسة الكيل بمكيالين تجاه القضايا المصيرية للشعوب التي يقودها سوء حظها للوقوع في بؤرة اهتمام ومصالح الدول العظمى.
يطول الحديث بما يضيق به المقام في موضوع القيم الخاصة بالمنظمة وتعارضها المفضوح مع الممارسة على أرض الواقع لكن اكتفي بهذا المثال الأخير، فبالإضافة إلى غياب كل من المساواة والعدل، يتم استغلال قيمة العمل الإغاثي بشكل فظيع، حيث تشكل نفقات العمل الإداري والاستشاري الذي تقوم به المنظمة على سبيل المثال في أي عمل إغاثي او تنموي أضعاف ما ينفق حقيقة على المستهدفين، وبذلك فإن الأمم المتحدة تقوم بجباية الأموال من الدول الأعضاء لديها للحفاظ على كيانها وتشغيل أفرادها وموظفيها في مشاريعها الإغاثية والتنموية أكثر مما هو معاونة وإغاثة وتنمية للشعوب المحتاجة والمعوزة والتي تتحمل عظيم المن الذي لا تأولوا المنظمة جهداً في نشره وإذاعته بصرف المبالغ الخيالية على هذه الشعوب التي حقيقة لم تنل إلا اليسير منه.