صباح بعطر الكينا والزيزفون يا بلادي “كناكر”
م. ايمن قاسم الرفاعي
مكبلاً بأصفاد الأسى … وخلف قضبان الغضب … تطل يا صباح بلادي ..
حزيناً .. كئيباً .. صامتاً من كل جميل سوى من صرخات الرعب .. وزفرات الموت التائه ..
ثقيل الأنفاس .. وعفن الرائحة ..
هل حقاً أنت هو صباح كناكر الذي لم أعرفه إلا عطراً حالماً …
آه … يا شجرة الكينا … ويا عطر الزيزفون …
آه … يا رائحة الخبز مع الماضين بأمل الحياة وابتسامة العمل .. تسير به نساء الصباح وقد انشأن سرد أحاديث النهار بأولى القصص والنمائم البريئة ..
آه … يا برد كانون والجليد يعتصر ماء حياة الأزهار الهاجعة، ليهبها بريق الحياة بعد الضحى ..
آه … يا ربيع الحبق والنرجس.. والأقحوان الذي تفلتت أقراصه كأجنة شموس طرزت ضفاف ليل الماء الهادر في الأعوج وشرايينه المتفرعة ..
آه .. يا فجر صيف السنابل ورائحة القش .. وأهازيج الحصاد والمواويل ….
آه .. يا تثاؤب خريف الفلاحة والبذار، وبرد جبل الشيخ الحزين …
آه يا كل سحر صباح أسرنا في كناكر … إلى أين مضيت ..
وإلى أين يسير بنا صباحك هذا الجاثم فوق أشلاء الألم وعويل الدماء..
هل حقاً هو ذا صباح بلادي … أم أن للحقيقة دائماً وجهان …
كان صباحه الذي لا أنساه … سحراً تنسجه الطبيعة بيد الخيال فوق أستار الحلم..
كانت أنفاسه البكر أنفاسه عذراءٍ معطرة بالأمل والحب … تمر في دروبها كطيف أميرة عذراء فاتنة اختمرت في حجاب من غسق، بذلت من الطيب أجمل ما عرفته النساء وعشقه الرجال .. فأشعلت شهوة الأرض إلى الحياة وفتنة الأشياء إلى الجمال .. فالتهبت الأرض خصوبة وشعت الجمادات ألقاً وبريقاً .. قبل أن تمس بأنوثتها الطافحة لتكوي بها إحساس الرجال وغيرة النساء..
ديكة وعصافير تسبح بحمد ربها وتتم صلاة الليل بأذكار الصباح …
جرارات العمل تمضي هادرة تنقل خطاها مثقلة بالنعاس الذي لا زالت تعاركه عيون من قادوها لتتلمس طريقها إلى البيادر والحقول …
هل حقاً هُتكت عذرية هذا الصباح الحاني … وأي يد تجرأ على ذلك …
أم أن تلك الأميرة العذراء باتت أكثر جرأة ونضجاً، فكشفت ديجور حجابها لينساب من تحته شلال ذهبي الموج يملا الأرجاء بدافق نور يحمل الدفء وشهوة الحياة ويتغلغل في صميم الأشياء … فيشعل أعواد النفس التي كساها البرد وكفنها السكون .. فتتقد فيها شعلة الحياة
أم أن ذاك الصباح المستسلم اليائس بات أكثر قوة وأرحب أفقاً بعد إذ شمر عن ساعده المفتول ليبني الأرض بالعدل قبل أن يخصبها بالبذور، ويسور الحياة بالكرامة قبل أن يرفع جدران الأمان ..
كناكر … ما بين سكون الماضي واختلاجات الزمن الراهن … وأحلام المستقبل الأسير ..
كناكر … ما بين رجال الأرض والعمران والمحبة … وشباب الحرية والكرامة والشهامة ..
كناكر … ما بين عذارى طهرت التراب براحتيها وزرعت رحم الأرض ببذور رجال الغد … وحرائر طهرت النفوس بصرخات الحرية .. وزرعت في الرجال حقيقة الرجولة ..
كناكر … ما بين متناقضات الحياة … وسجال الماضي والمستقبل ..
كناكر … لا زال يتخلق في رحمك يا غاليتي صباحٌ أكثر إشراقاً … فمتى تلدي لنا يا أمُ جنينك الذي طال انتظاره …
كل الصباح العطر لأجلك يا بلادي ..
29/9/2011