[rank_math_breadcrumb]

هو أضحك… فابتسمت الأرض

أيمن قاسم الرفاعي

سننية الابتسام والضحك في بناء الإنسان السامي وتحقيق الاستخلاف القرآني
🔹 تمهيد:

الناس تقول: “الابتسامة صدقة”، لكن قليلًا من يتأمل أن هذه الصدقة هي مفتاح من مفاتيح الإعمار القيمي للعالم.
ونحن نقول: “لا عدمنا الخير من رب يضحك”,
لكن من يتوقف ليتأمل أن ضحك الربّ، كما ورد في الحديث، هو ذروة القرب، لا مجرد حالة؟

في القرآن، نجد الآية المزلزلة المشرقة:

> {وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى} (النجم: 43)

تلك الآية ليست توصيفًا وجدانيًا فحسب، بل إعلانٌ عن سننية شعورية تكوينية في بناء الإنسان.

🧭 أولًا: الابتسامة ليست خيارًا عاطفيًا، بل فعلٌ رسالي
قول النبي ﷺ:

> «تبسُّمك في وجه أخيك صدقة»
(رواه الترمذي)

هو كشف نبوي عن وظيفة إنسانية،
فما تكون الصدقة؟ إنها تمليك جزئي للآخر من ذاتك.
فالابتسامة إذًا هبة روحية، تؤكّد قيمة الآخر، وتُعلن تلاقي الأنفس لا تصادمها.

فحين تُشرّع الشريعة التبسم، فهي لا تشرّع سلوكًا اجتماعيًا، بل تمنحك مفتاحًا للقيام بوظيفتك الكبرى: أن تكون بشريًا يُؤنس لا يُؤذي، ويعمر لا يُدمر.

🕊️ ثانيًا: الضحك في القرآن… تجلٍ لسنن الله الوجدانية
في الآية:

> {وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى}

الله لم يترك الضحك للصدف،
بل أخبر أنه هو الذي يُضحك…
أي أن في الضحك نظامًا، ومقامًا، ووظيفة.

والضحك هنا:

ليس سخريةً ولا عبثًا، بل لحظة اتصال بين الخليقة وربّها.
وليس استعلاءً، بل تعبيرٌ عن أُنس الوجود بالله.

🌱 ثالثًا: سليمان والنملة… الضحك كفعل استخلافي
في قوله تعالى:

> {فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِّن قَوْلِهَا} (النمل: 19)

هذا “التبسم الضاحك” كان استجابةً:
لصوت مخلوق صغير (نملة)،
بحسٍّ رفيع، ووعيٍ عظيم،
دون عنف أو تهكم.

إنه نموذج لإنسان يملك القوة، لكنه يضحك برحمة، لا بقسوة.
وهذا هو الإنسان السامي الذي يستمع، ويتفاعل، ويتواضع، ويبتسم…
لأنه يعلم أن التبسم هو الحد الأدنى من السُّنة العمرانية في العلاقات، وأول الطريق لحقن الدماء، وتفعيل التلاقي.

🌍 رابعًا: الضحك سنّة عظمى في نظام الاستخلاف

هل نبالغ حين نقول إن الضحك في القرآن هو سنّة عمرانية؟
لا، بل إننا نكتشف خريطة وجدانية مكتملة:
الآية المضمون الوظيفة السننية
{هو أضحك وأبكى} الضحك مخلوق إلهي سنّة تكوينية
{تبسّم ضاحكًا من قولها} الضحك تفاعل مع وعي الكائنات سنّة استخلافية
{وجوه يومئذٍ ناضرة…} الضحك الأعلى عند لقاء الله سنّة أخروية (ثمرة الطريق)
> فالضحك ليس عبثًا… بل هو منتهى الرضى،
ومبتدأ العمران.

🧱 خامسًا: بناء الإنسان السامي يبدأ من الابتسامة

إذا كان الإنسان مستخلفًا، فكيف يعمر الأرض؟
هل يبتدئ ذلك بالقوة؟
أم بالخطط؟
أم يبدأ بالنية والبسمة؟

القرآن يجيب:
> {إنه لا يحب الفرحين} (القصص: 76)
أي المتعجرفين بالفرح… لكنه يحب الفرحين المتواضعين.
> {فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه، أذلة على المؤمنين…} (المائدة: 54)
أذلة أي رقاق القلوب، يبتسمون قبل أن يقاتلوا.

🏛️ سادسًا: نحو فلسفة قرآنية للاستخلاف الوجداني

الابتسامة والضحك، في القرآن والسنة، لا ينفصلان عن مقصد العمران.
فالضاحك برحمة، والمبتسم للناس، هو المؤهل لتعمير الأرض، لأنه أقرب الناس للناس… وأقربهم لله.

في حديث النبي ﷺ:
> «إن الله يضحك من قنوط عباده وقربِ غِيَره»
(رواه أحمد)

هو ضحك المحبة، لا التسلية.
ضحك من يغير حالك من يأس إلى أمل، ويبتسم لك حين تنسى أن تبتسم لنفسك.

✨ خاتمة:

إذا أردت أن تكون خليفة…
فلتكن ابتسامتك صدقتك، وضحكتك رحمتك، وحضورك أنسك.

فالله ما أضحكنا… إلا لنكون نورًا في ظلمة، وما جعل فينا ابتسامة سليمانية… إلا لنصلح بها ما أفسده عبوس الشياطين .

Scroll to Top