الفارس الشرع وتحطيم صخرة بلاي السورية

تأتي زيارة رئيس الجمهورية الشرع اليوم لمحافظات الساحل السوري في هذا التوقيت بالذات كحركة سياسية عسكرية ذكية وجريئة لأنها في الفعل العسكري والسياسي تسمى بسياسة قلب الطاولة على الخصم أو الهجوم المضاد الذي يؤدي إلى ضرب عدة عصافير بحجر واحد.

فبقايا أزلام النظام الذين يختبئون في جحورهم في كهوف وغابات جبال الساحل وأولئك الذين انكفؤوا نفاقاً متسترين به في ضيعهم وأحيائهم، كانوا لا يزالون يمنّون النفس رغم انتهاء المعركة وأفول نجم دولتهم الشيطاني والخسائر الفادحة بالأرواح التي لحقت بهم، بإقناع أنفسهم أن الساحل السوري قلعتهم وحصنهم الذي سيقودون منه انقلابهم على شرعية القيادة السورية والنظام السياسي الجديد الذي بات مُعترفًا به دولياً ويمثل الشعب السوري الوطني بأسره. وذلك على غرار صخرة بلاي (أو مغارة كوفادونجا) الخطأ الاستراتيجي الأكبر في تاريخ العرب والمسلمين في الأندلس، وإن كنت أجزم أنهم لم يسمعوا به كمصطلح سياسي قبل أن يعرفوه تاريخياً.

وقصة هذه الصخرة باختصار تعود إلى بدء فتح الأندلس في عام 95 هـ إذ لم يكن مضى سوى ثلاث سنوات فقط، على فتح المسلمين كل منطقة شبه الجزيرة الإيْبِيرِية “إسبانيا والبرتغال حاليًا” ومعها جنوب فرنسا كذلك وتوحيد الأندلس بالكامل على يد الفاتح موسى بن نصير وقائده طارق بن زياد، باستثناء بقعة صغيرة جداً في الشمالي الإيبيري تُسمى “صخرة بلاي” أو “مغارة كوفادونجا”.

فبعد انتهاء الفتح الإسلامي للأندلس كانت تقضي الخطة بالقضاء على فرقة عسكرية صغيرة من فلول القوط الغربيين، كان يرأسها القائد “بلاي پلاجيوس“ ورفقته من لا يتجاوز عددهم ثلاثين شخصًا، منهم عشرة فرسان والباقي نساء وأطفال، هربوا من المعارك واستعصموا بمنطقة جبلية وعرة تسمت بـاسمه فيما بعد داخل مغارة تسمى كافادونجا، ولم تستطع السرية التي رسلها ابن زياد خلفهم الوصول لها لوعورة تلك المنطقة، وحاصرتهم السرية بضعة أشهر حتى دخل فصل الشتاء ببرودته القاسية فقال قائد السرية مقولته الشهيرة: (ثلاثون عِلْجًا ما عسى أن يجيء منهم).

كانت هذه الصخرة أو المغارة هي الثغرة التي أُصيب المسلمون من خلالها في الأندلس، فقد كانت كالفايروس بالجسد سرعان ما توسعت شيئًا فشيئًا بقيادة القائد بلاي حتى استحلت بلاد الأندلس بالكامل، فمنها بدأت قصة النهاية، والتي سطرت فصولها على مدى ثمان قرون، وختمت آخر ملاحمها بسقوط غرناطة. واليوم يعتبر “بلاي” أحد أشهر رموز إسبانيا فتجد تماثيله وصوره في كل مكان في إسبانيا والبرتغال. كما تعد “مغارة كوفادونجا” أو “صخرة بلاي“ مزارًا مقدسًا عند الأسبان والبرتغاليين فيزورها سنويًا الآلآف من السياح، وقد بنيت بجانب الصخرة كنيسة ضخمة تخليدًا لذكرى “بلاي پلاجيوس”.

الشرع


إذن ما فعله الرئيس الشرع بزيارته اليوم هو تحطيم رمزية تلك الصخرة أو المغارة التي ظن أزلام النظام البائد أنها مانعتهم للعودة من جديد. فجرأة الشرع في السير داخل مدن الساحل السوري بعد شهرين فقط من سقوط النظام البائد الذي كان يتغنى بها هذه النظام الطاغية أنها حاضنته وحصنه الحصين، وسط ما رأيناه من التفاف الناس العفوي حوله محبةً وفخراً بما أنجزه السوريون أنفسهم من التحرير، قد أطلق رصاصة الرحمة على كل آمال أزلام النظام الموهومة في العودة وإن مازال بعضهم فارين من يد العدالة حتى الآن في جحورهم إذ ستصله يد القوات السورية عاجلاً ام آجلاً لأنها ليست بغافلة عنهم.

هذا الهجوم المضاد الذي يعرف أنه أفضل وسيلة للدفاع، قلب الطاولة على هؤلاء، والذين كانوا يمنون النفس حتى الأمس بعودة قيادتهم كما حدث منذ أمد قريب إثر شائعة عودة المجرم ماهر التي قادت لحصد كثير منهم حصداً، ليتفاجؤوا اليوم بدخول أسود الوطن الحقيقيين بقيادة قائدهم الشرع كرسالة أخيرة أن هذا الوطن التأم شمله بأبنائه ولن يفرقهم بعد اليوم شيء، وأننا استفدنا من التاريخ واتعظنا بدرس صخرة بلاي.

 

شارك:

مقالات ذات صلة:

Scroll to Top