متقطعون باختلافهم ناجحون بتعايشهم

متقطعون باختلافهم ناجحون بتعايشهم

ايمن قاسم الرفاعي

moselle river village

سألني صديق هذا السؤال:

هل فهمنا نحن ديننا بالخطا ام اننا لم نفهمه اصلا و لماذا كل هذه الاقتتال وكل يرى من نفسه الاصح و يرى غيره خطا، يعني كيف نجد الاخوة المسيحيين و حتى اليهود مثلهم مثلنا بشر مثلنا و لا نرى اقتتال داخلي

فأحببت أن أجيبه بالقصة التالية:

كان هناك نبع ماء زلال ونهر عظيم يجري منه، وسكن على مجرى هذا النهر مع الزمن عدة قرى أخذت تزداد يوما بعد يوم وتأتي لتنعم بالخير الذي يوفره هذا النهر لها، وكان لكل قرية جدولها الخاص المتفرع عن ذاك النهر، وكان لكل منها أيضا عاداتها الخاصة في التعامل مع ماء جدولهم بحسب ثقافتهم وسلوكهم، فمنهم من زين الجدول وزرع به الريحان والزهور فعطره، ومنهم من سلط النفايات والمجاري عليه، ومنهم من عرف قيمة الماء النقي فحفظ مجرى النهر وكراه من الاعشاب ليتمتع بنقاء الماء، ومنهم من لم يستسيغ مياه النهر فحفر الابار للشرب واكتفى بمياه النهر للغسيل والري، ومنهم ومنهم إلخ..

لكن ورغم كل الاختلافات القائمة في تعاملهم مع ماء النهر إلا أن أهل القرى عاشوا وتعايشوا بسلام مع بعضهم ينعمون بمصدر واحد للماء وإن تغيرت ملامح هذا الماء وفق مشارب كل قرية، إلا أنهم جميعا عاشوا من خيره.

جاء يوم وخرج في إحدى القرية رجل

ونادى بأحقية أهل قريته بالنبع والنهر ككل لاعتبار أن قريتهم أقرب القرى إلى هذا النبع، وجيش العامة ودهماء القرية فتبعه عدد كبير منهم لاقتناعهم على جهلهم وبجشعهم بصحة دعواه، وتحرك جمع القرية للسيطرة على منابع النهر، علمت القرى الأخرى بالأمر، فجيشت هي الأخرى رجالها وتسابقوا نحو النبع..

تجادل الأطراف وتناقشوا وتخاصموا وكل يدلي بحجته حول هذا النهر وأحقيته وأهل قريته به، إما لأنهم الأقدم في هذا المكان أو الأقرب للنبع أو الأكثر احتراما له أو أو الخ…

واشتد الخصام حتى اندلعت المعارك بينهم، ولاعتبارات عديدة بدأ الجميع يتمايز الى فئتين او ثلاثة أخذت كل فئة تستميل الفئة المحايدة ضد عدوتها، حتى نشأت حرب كبيرة تمايز اهل القرى فيها الى فريقين تطاحنت رحاهم حتى سالت دماؤهم فوق ماء نبعهم..

مع الوقت اشتدت الأوضاع سوءاً وسفكت الدماء وتلوثت مياه النبع حتى احتار الناس في طعم ماء قراهم الذي بدأوا يتذوقون فيه مالم يعهدوه من قبل، خرج بعض الحكماء الذين اكتووا بنار تلك الحروب المستعرة، وأخذوا يتحاورون ويرسلون الوفود للتحاور مع الخصوم، مذكرينهم بتاريخ عيشهم وتعايشهم وكيف كانوا ينعمون بمياه النهر جميعا كل وفق مشربه، وكيف اودت هذه الحروب بهم فأكلت من لحمهم وشربت من دمائهم، فتوصلوا إلى اتفاق ان لا نجاة لهم الا باتفاقهم واحترام كل قرية لحق كل قرية في مجرى مائها وفق ما ارتضته لنفسها، وعادت تلك القرى وتعايشت من جديد وازدهرت وراحت تنعم بماء جدولها وفق ما تشتهي مشاربها دون احتقار او تعدي الى حق اي قرية اخرى في مشاربها وحقها في الماء، وكل راضٍ بمائه وكل قرية بما لديهم فرحون سواء أعذب ذاك الماء أم أسن فالعبرة في القناعة، (فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُرًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ ) 53 المؤمنون.

العبرة:

المصدر ليس هو المشكلة وسبب الخلاف، ولكن النفوس وما وقر بها والعقول وما اعتمل بها هي من لها القدرة على تشويه أعظم المصادر إن تبعت هواها، فالخلاف مرده الجهل أولاً ووجود نفوس حاقدة ذات هوى تبث سمومها في مياه العقول وفي عذب النفوس لتصل إلى مآربها ثانياً.

ولعل القصة السابقة تسقط على أوربا وما مرت به حتى وصلت إلى ما وصل إليه أهل القرى في النهاية، لكننا نحن كأمة إسلامية وللأسف لازلنا في طور الصراع والتقاتل، لأن لكل حضارة أطوار حضارية يكون الزمن فيها فاعلاً وقد قدر ان نكون في طور الانحطاط من بعد مجد آفل، ولكن ذلك لا يبرأنا بحال من الأحوال عن دورنا الذي نقوم به وأهميته سلباً أم إيجاباً في تخطي هذا الطور سعياً نحو النهوض والحضارة أو تكريس انحطاطه وتخلفه.

15/08/2013م

 

شارك:

مقالات ذات صلة:

أيمن قاسم الرفاعي

Ayman Q. Alrefai

باحـــث دكتــــــوراة فـــي الدراســـــات الإسلاميـــــة
كـاتب وباحــث متخصـص في مجـال الإدارة والسياســة العامة
مدون وكاتب في مجال الفكر والفن والأدب والقصة والشعر

آخر ما حرر
مقالات ذات صلة
Scroll to Top