إيران تخلع الشادر وتستعير مساحيق تجميل أمريكية
ايمن قاسم الرفاعي
بعد ثمان سنوات عجاف قضاها بوش الابن، أسوء رؤساء الولايات المتحدة اﻷمريكية في سدة البيت الأبيض، تعرضت خلالها الولايات المتحدة لحقبة هي من الحقب الأسوء في تاريخها بالنسبة للأوضاع الأمنية والاقتصادية والإعلامية، حيث تعرضت خلالها لاعنف الهجمات على أراضيها وخاضت خلالها حربي ما يسمى بالإرهاب في كل من أفغانستان والعراق حملت لها ما حملت من الخسائر المادية والبشرية وتبعات إقتصادية وإعلامية سلبية، لذا كان لا بد من تحرك لتغيير النهج وحركة لتصحيح حقيقي لتستدرك الأخطاء وتجمل الصورة، فكانت السياسة اﻷمريكية على موعد في استحقاقها الرئاسي مع إعادة انتاج صورة أمريكيا وتجميل وجهها حتى لو كلفها ذلك أغلى مساحيق التجميل السياسية، وذلك في سبيل استعادة ما خسرته حين استعدت الشرفاء من دعاة الحرية وحقوق الإنسان في العالم واستفزت العالم الاسلامي والعرب على وجه الخصوص من خلال ملفات حربي الارهاب والانحياز التام لاسرائيل.
فجاءت لحظة الحقيقة والتحول من خلال الانتخابات الرئاسية التي أقصت الحزب الجمهوري المحافظ المتشدد برئيسه المتطرف سيء الصيت بين اﻷمريكين أنفسهم والعالم برمته، لتجلب الحزب الديمقراطي الليبرالي صاحب شعار الحرية برئيسه ذي البشرة السمراء الكريزماتية الخطيب المفوه، وقد نجحت الولايات المتحدة منذ اللحظة اﻷولى وقبل إعلان النتائج ومن خلال البرنامج الانتخابي الذي قدمه أوباما المستند إلى كلمة “التغيبر” في استمالة مشاعر الحالمين بالتغيير الطامحين إلى عالم متمدن متحضر تكون الحرية الأمريكية والديمقراطية اسمى شعاراته ناهيك عن الوعود واﻷحلام الوردية وبالذات الاقتصادية التي نسجها أوباما، والتي أثمرت ملايين الدموع والصلوات على امتداد العالم بأسره حين أعلن فوزه بالانتخابات، ولكن كما هو ديدن الحياة تروح السكرة وتبقى الفكرة كما يقال، لنجد حقبة أوباما أسوء مما كانت عليه حقبة سلفه، وليعود بنا الفكر أدراج التقهقر إلى المربع اﻷول في السياسة اﻷمريكية وهي (أن أمريكيا لا يحكمها الرئيس وإنما رجال المال ونظام اللوبي).
وباﻷمس فقط كانت نقطة التحول هذه قد انتقلت بل قل انسحبت إلى العدو استراتيجي التوصيف بحسب الولايات المتحدة، بكامل اسقاطاتها وأبعادها، اللهم مع مراعاة الخصوصية الفارسية عن مثيلتها الأمريكية ونظام حكمها الملالي النبوءاتي عن مثيله اللوبوي الماسوني.
فبعد ثمان سنوات عجاف مشابهة أو ربما أشد عاشتها إيران في ظل نجاد، خسرت خلالها اقتصادياً وسياسياً وإعلامياً وحتى استراتيجياً حين اضطرت لنزع قناع التقية الذي أسفر عن كشف أحلامها الامبراطورية التوسعية التي أخفتها لعقود منذ ثورتها الإسلامية المزعومة، ومعاداتها ومشاريعها العسكرية تجاه المنطقة والعرب والمسلمين على وجه الخصوص، الأمر الذي دمر صورة الممانعة والمقاومة الزائفة التي تسترت بها طويلاً، لتقف أمام استحقاق كبير جداً إما بخسارة أهم قاعدة لها موصلة لحلمها الاستعماري التوسعي متمثلة في سوريا فيما لو لاذت بالصمت وهادنت، أو خسارتها صورة البطل المخلص من العدو الاسرائيلي التي جاهدت طويلا ًفي خدع العرب والمسلمين البسطاء به وهو ما راهنت عليه وقدمته قربان على مذبح حلمها النبوءاتي كأخف الضررين.
تأتي إيران اليوم بعد هذه السنوات الثمانية وهذه الصورة القبيحة التي أماطت الثورة السورية عنها لثام الخداع، تأتي وتستعير مساحيق التجميل الخاصة بعدوتها الحميمة أو صديقتها اللدودة الولايات المتحدة، وتقدم لنا روحاني ذي الطلة المشرقة الودودة عوضاً عن الوجه المعبط لنجاد، وتستعيض بالإصلاحيين الليبراليين مكان المحافظين المتشددين داعية لفتح صفحة جديدة سواء على مستوى الداخل المحتقن فيها نتيجة سوء الأوضاع الاقتصادية والحصار العالمي المفروض وتسخير ثروات بلادهم لصالح الغير في سبيل حلم إمبراطوري واهم، أم على صعيد الخارج المتأزم والذي باتت تعيش فيه وسط عداء شعبي وامتعاض سياسي عام في المنطقة والعالم برمته.
رغم أن هذه الحيلة السياسية بدائية ولا تنطلي إلا على السذج، إلا اننا نجد الكثير من البسطاء الحالمين بالخلاص والمؤمنين بالمخلص المعجزة من وطأة التبعات أو التنبؤات لهذا الوضع الخطر والحرج الذي تكابده المنطقة برمتها وكأنها على فوهة بركان ينذر بالانفجار أو أولئك المظلومين الذين داهمهم البركان مبكراً في عقر دارهم فباتوا يصطلون لظى حممه التي تتقاذفهم في كل مكان على أرض سوريا وخارجها، نجد الكثير منهم يعول على تغير السياسة الإيرانية بمجرد تغير الرئيس، متناسين كما كنا متناسين من قبل في امريكيا، (ان إيران لا يحكمها الرئيس وإنما رجال الدين ونظام الفقيه).
17/06/2013م