بأخلاق “لا تثريب عليكم” سندخل دمشق منتصرين
م. ايمن قاسم الرفاعي
دخل الرسول (صلى الله عليه وسلم) مكة فاتحاً بعد ثورة إيمانية إنسانية قضى فيها واحد وعشرين عاماً، كان منها ثلاثة عشر عاماً في مكة وحدها يدعو أهلها إلى الاسلام وعبادة الله الواحد والذي أسمى مقاصده مكارم الأخلاق وسمو الإنسان بحريته وكرامته، لكنه (صلى الله عليه وسلم) ذاق وصحبه خلالها ما لا يطيقه بشر من خصومة وسب وفجور ولا تحتمله نفس من محاربة وأذى وعذاب، ثم قضى الثمانية أعوام الأخرى مهاجراً خارجها في المدينة حيث استبيحت في مكة دياره وديار صحبه ونهبت أموالهم وعذّب أهلوهم، لكنه حين عاد إليها فاتحاً منتصراً، دخلها يكلله تواضع العظيم لربه ويسكنه قلب الرحيم بأهله، فأمَّن أهلها على أرواحهم وأموالهم وفيهم من آذوه وحاربوه وفيهم من لم ينصروه وخذلوه، وحين وقف بينهم مخاطباً: “ماذا تظنون اني فاعل بكم” أجابوه: “أخ كريم وابن أخ كريم”، فرد عليهم: “لا أقول لكم إلا ما قال يوسف لإخوانه (لا تثريب عليكم اليوم) إذهبوا فانتم الطلقاء”.
كما رسخ (صلى الله عليه وسلم) قيم الصفح والوفاء، فعفى عمن بقي من المشركين ممن أُهدر دمهم لما آذوه وآذوا صحبة أشد الأذى المعنوي والجسدي وقتلوا من أهله وصحبه، ونادى عثمان بن طلحة وقد كانت الكعبة في سدنته وقومه في الجاهلية، وأعاد إليه مفتاح الكعبة وقال له: (هاك مفتاحك يا عثمان اليوم يوم برٍّ ووفاء) ورفض منحه لعلي (صلى الله عليه وسلم) وهو من هو عنده وقد طلبه، وكان قبلها، قد قبل إسلام أبي سفيان وهو على مشارف مكة لما رأى جيش المسلمين والمنعة التي أصبح فيها رسول الله ولم يتهمه أنه أسلم خوفاً، بل أمَّنه وأمَّن من يدخل بيته حفظاً لقدر كان له في قومه وتأليفاً لقلبه، هكذا كان الرسول الكريم (صلى الله عليه وسلم) ومثله كان صحابته الكرام.
لعل معظم قارئي هذه السطور أعلم من كاتبها بتفاصيل هذه السيرة العطرة وما فيها من مواطن ومعاني الصفح والرحمة التي تضيق بها المجلدات، ولكن ما كانت سيرة وقصص النبي (صلى الله عليه وسلم) إلا لنمتثلها ونحتذي بسنته فيها وخاصة في الرحمة والعفو والصفح وفقه إعادة البناء ومد الجسور بين أفراد المجتمع.
وما أحوجنا نحن السوريين اليوم ونحن على أبواب نصر عظيم قريب إن شاء الله لثورة الحرية والكرامة أن نستذكر هذه القيم وهذه المعاني ونمتثل هذه السنة العطرة، لأن هذه الثورة ما قامت لتحل ظالم مكان ظالم، ولا لتقتدي بأخلاق وسلوك فاسدين وطغاة ثرنا لإسقاطهم، بل لتقيم العدل وتنشر المحبة وتشيع السلام وتمد جسور الإخاء بين أبناء المجتمع السوري الواحد، وهذا لا يعني بحال من الأحوال إسقاط الحقوق وخاصة حقوق الدم والقصاص، والصفح عن المجرمين والقتلة، على العكس، ولكن أن ننتهج سلوك قدوتنا (صلى الله عليه وسلم) في تطبيق العدل وعدم الانتقام وألا تزر وازرة وزر أخرى وأن يكون هناك مكان ومتسع في قلوبنا واخلاقنا لمن أخطأ في موقفه تجاهنا وتجاه ثورتنا لكنه لم تتلوث يده بدم أو حق لإنسان، والا كان إيماننا نفاقاً وإسلامنا افتراءً (كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ – الصف)، فإن امتثلنا نحن السوريين هذه الأخلاق السامية ونحن أهل لذلك إن شاء الله، سرنا ومضينا كجسد واحد بقلوب متحابة وسواعد متعاضدة نستدرك ما فات من قرون قضيناها في تخلف وفساد وشقاق، لبناء سوريا المستقبل، سوريا الحضارة والنهضة، سوريا الحرية والكرامة، سوريا الإنسان.
4/12/2012
رابط النشر