تحت ظلال الزيتون..
ايمن قاسم الرفاعي
رغم أنها تكبره سناً إلا أنه أحبَّها، في عشقها تشكلت أبجدية مفردات الحسن لديه وتفتحت على ذائقة الفن والجمال عينيه، فتنته بسحر فيروزها وتيمته حتى ذاب في لجين زنديها. لم يردعه عن ممارسه عشقه البريء معها أن كان أباه من ينازعه في عشقها، كان يشتعل نشوة حين يلقاها، ويهيم صبابة وهو يمرغ وجهه في شعرها المعطر المكلل بأنجم من زهر. كان يراها أنثاه التي خلقت لأجله.. ويحسها وطنه.. أمه.. ملجأه وملاذه الأخير، كانت روحه ترتقي وقلبه يسبقه كلما ذهب للقائها في البستان، كان يختفي كمطارد شريد في شعاب صدرها، وينام كطفل حالم فوق أحضانها.
أما اليوم، فها هو يأتيها يجر أذيال روحه المهانة وسرابيل نفسه الكسيرة، يأتيها وفي قلبه سكين يحزه بشفرة القهر والغدر، وفي روحه غضب يأزه بمقت أهل الأرض، لم يشعر بهذا القدر من الذل والمهانة في جوارها من قبل، لم يشعر بالكره يستوطن قلبه وهو في حضرتها بالقدر الذي يحس به الآن. كانت سلواه من كل حزن وأنيسه من كل وحشة وفرجه من كل ضيق وملجأه من كل خوف..
فلماذا تبدلت كل هذه المعاني اليوم؟
ولماذا تاهت مشاعر كل ذاك الحب؟
ألأنه بات شريداً فعلاً..!
ألانها باتت ملجأه وملاذه الأخير حقيقةً..!
أصحيح أن المشاعر تتنكر لماضيها عندما تخرج من عالم الخيال إلى واقع الحال؟!
أصحيح أن نار الحب يخمدها الوصال؟!
أم أن براميل النار والموت الهاطلة من سماء رعب “الميغ والسوخوي” التي دكت منزله فهدت أركانه وذبحت أشجاره وسفحت دماء أهله فوق ماء بئرهم، وأحرقت ورود أحلام طفولته وبخرت جميل ذكرياته، وأجبرته ومن بقي من أهله وجيرانه على النزوح والنزول في جوار قبيلتها كملجأ أخير لهم، هل بخرت تلك البراميل معاني تلك المشاعر وسعادة تلك اللحظات التي كانت بجوارها.
“تحت ظلال الزيزفون” قرأها مراراً في حضرتها وفي فيء خصلات شعرها، فذاق طعم الحب كما لم يذقه ستيفن، ورشف خمر الوصل الذي لم تبذله ماجدولين، ففاضت به نشوة الحياة والحب معاً.
واليوم هو وأهله تحت ظلالها وظلال أشجار الزيتون في “حقول إدلب في سوريا” يقرأون واقعاً مريراً لم يكتب من قبل، تسطره يد الزمان فوق صفحات النزوح والتشرد بمداد من دم وطنه المسفوح وماء حياة أهله المُراق.
من كتاب (حين يحكي الزيزفون)
01/04/2013