مهرجون على مسرح الثورة
ايمن قاسم الرفاعي
“لو رغبنا في تصفيق الناس لعملنا في السرك” بهذه الجملة انهى مخرج ( فلم أرغو ) الشهير فلمه بحديث لضابط الاستخبارات الأمريكي وهو يخاطب بطل العملية الاستخباراتية التي أدت لإنقاذ 6 من موظفي السفارة الأمريكية من قلب طهران، أولئك الذين نجوا من الإيرانيين حين هجموا على سفارتهم في ايران ابان الثورة الايرانية عام 1979م واعتقل فيها اكثر من 52 أمريكي لمدة 444 يوم، لقد استوقفتني كثيرا رسالة الضابط هذه، فبرغم ان الإعلام أظهر حينها ان كندا هي مدبرة العلمية ورائدتها ونسف بذلك كل جهد له وللـ (CIA) في ذلك إلا أن الضابط كان راضياً ومقتنعاً، لأن النتيجة والعمل هو ما يصبو إليه وهو ما وجد لأجله وليس التصفيق ومنابر الإعلام …
استوقفتني تلك الرسالة لأنه وعلى النقيض تماماً، وبكل أسف، نجد الكثير من المحسوبين على الثورة السورية يتفننون ويتقاتلون منافسة ليس على العمل وتحقيق النتائج التي تخدم الثورة والوطن، وإنما على حصد التصفيق والمديح والإعجاب الأكثر على صفحات التواصل الاجتماعي ومنابر الاعلام المزيف من خلال الكذب والتدليس وتزييف الحقائق، وذلك لتثبيت أنفسهم أكثر في مواقع السيطرة التي يحتلونها وتعزيز حظوظهم في زيادة سيطرتهم وسلطتهم أكثر وأكثر، ومدمرين بذلك كل جهد حقيقي وصادق كان من غيرهم ومصوبين اتهامات الناس نحو كل عمل بالرياء والتزوير، ويحهم من مهرجين وقحين يتصبغون بألوان دم السوريين ويرقصون على أشلائهم فقط ليفوزوا بما يشحذونه عليهم أو منهم باسم الإنسانية تارة وباسم الدين تارات وتارات …
لقد ابتلينا في ثورتنا بأصناف كثيرة من سوءات البشر، لكن أضرهم برأيي على العمل الثوري والسياسي هم الثرثارين المهذارين، أولئك المهرجين المتشدقين بأفعال غير موجودة على الأرض والمضللين الناس بالوهم والمتصدرين لأعمال هي أكبر من قدراتهم وإمكانياتهم وحتى ضمائرهم الفاسدة التي لا تحتمل سمو الأخلاق الذي يتطلبه العمل البطولي الذي تصدروا له ..
ولست هنا لأكتب وأطيل في هذا .. فقد بت من أصحاب مذهب (إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا ) ذلك المذهب الذي بات ينتمي إليه أغلب من كشفت له حقائق أخرست صدماتها لسان المقال منه فاكتفى منها بلسان الحال، لأنه في قضايا الفتن العظيمة التي يعجز فيها الذهن عن التشخيص ويقصر اللسان عن التعبير مهما بلغا من الرجاحة والفصاحة يكون الصمت هو الأجدى، على أمل أن لسان العمل أفصح وعين الحق أوضح …
فإليك أيها الثرثار المهذار يا سيادة المهرج أوجه كلامي ..
نعم أنت أعني يا من تقرأ هذه الكلمات، ولا تظنن ان الخطاب لغيرك “شأن كل مرة” .. بل هو لك .. فإن وافقك الوصف وطابقك النعت .. فأنت من أعني بلا ريب.
فلقد سئمك والله المصفقون لك أكثر من المنتقدون، وبات المقت جليس نفس كل المتملقين من حولك، وبت موضع تندر وسخرية كلما اجتمعوا بأنفسهم من دونك ..
فلم تعد تهريجاتك وعروضك المسرحية مما يبهج، ولم تعد بياناتك وخطاباتك تبث إلا السماجة، ولم تعد طلتك البهية وبطولاتك “الفوتوجينيكية” تظهر إلا البله واللؤم وعجبي هنا كيف يجتمع “بله ولؤم” .. ولقد سقطت عنك ورقة التوت التي كانت تستر سوءتك اذ لم يعد من مصفق ومكبر للكليبات الاستعراضية والتشكيلات الوهمية من الألوية والكتائب، والاتحادات الصورية من التجمعات والمجالس والجبهات، إلا كل أحمق متبع أو مخدوع مغرر به أو فاسد مستفيد …
أهل العمل على أرض النتائج لا يحتاجون لكل أدواتك الواهية تلك، فهم بحمد لله في منأى عن أمراضك وعللك، فإن قصر الإعلام الصادق عنهم فحسبهم من العمل نتائجه ومن العزيمة صدقها ومن النية إخلاصها، فإن ذهب بك الظن يا سيادة المهرج أن حتى هذه الصفات تعنيك أيضاً .. فويلي عليك ويلي .. أي أبناء إبليس ذلك الرجيم الذي أبلس عليك كل عمل لك فجعلك تظن انه خالص لله وأنه ذا قيمة عظيمة وآثار جليلة فتكلل هامتك منه بتواضع غبي مُدعى، وهيبة زائفة لا تحمل في مساحيقها الإيمانية إلا كل نفاق ..
وحسبك يا سيادة المهرج قول الرسول صلى الله عليه وسلم فيك وفي أمثالك: ” يَخْرُجُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ رِجَالٌ يَخْتِلُونَ الدُّنْيَا بِالدِّينِ , يَلْبَسُونَ جُلُودَ الضَّأْنِ مِنَ اللِّينِ , أَلْسِنَتُهُمْ أَحْلَى مِنَ الْعَسَلِ , قُلُوبُهُمْ قُلُوبُ الذِّئَابِ , يَقُولُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : أَفَبِي يَغْتَرُّونَ أَمْ عَلَيَّ يَجْتَرِئُونَ ؟ فَبِي حَلَفْتُ لأَبْعَثَنَّ عَلَى أُولَئِكَ مِنْهُمْ فِتْنَةً تَدَعُ الْحَلِيمَ فِيهِمْ حَيْرَانا”.
22/06/2014